فصل: الجملة السابعة في تفاوت الألقاب في المراتب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الجملة السابعة في تفاوت الألقاب في المراتب:

وهي قسمان:

.القسم الأول: ما يقع التفاوت فيه بالصعود والهبوط:

وهو نوعان:
النوع الأول: ما يقع التفاوت فيه بحسب القلة والكثرة:
وله حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون المكتوب إليه من أتباع المكتوب عنه:
كنواب السلطنة فيما يكتب عن الأبواب السلطانية من مكاتبات وولايات، فزيادة الألقاب وكثرتها في هذه الحالة علو وشرفٌ في حق المكتوب إليه، لأنها من باب المدح والإطراء، ولا شك أن كثرة المدح من المتبوع للتابع أعلى من قلته، ولذلك تقع الإطالة في ألقاب كبار النواب والاختصار في صغارهم، وتأتي في غاية الاختصار في نحو ولاة النواحي ومن في معناهم.
الحالة الثانية أن يكون المكتوب له أجنبياً عن المكتوب عنه، كالملوك الذين تكتب إليهم المكاتبات عن السلطان، فقلة الألقاب في حقه أرفع لأن الإكثار من ذلك يرى أنه من باب الملق المذموم بين الأكابر في المكاتبات، فوجب تجنبه كما يجب المدح وكثرة الدعاء، ولذلك يقع الاختصار في الألقاب فيما يكتب لهم عن السلطان إجلالاً لقدرهم عن رتبة رعاياه الذين يكثر من ألقابهم.
النوع الثاني ما يقع فيه التفاوت في العلو والهبوط بحسب ما يقتضيه جوهر اللفظ أو ما وقع الاصطلاح عليه:
وهو صنفان:
الصنف الأول: الألقاب المفردة:
وهي على أربعة أنماط:
النمط الأول: التوابع:
وهي التي تلي الألقاب الأصول كالتي تلي المقام والمقر والجناب والمجلس، فيلي المقام لفظ الشريف ولفظ العالي، فالمقام يقال فيه المقام الأشرف العالي والمقام الشريف العالي والمقام العالي. ويلي المقر لفظ الأشرف ولفظ الشريف ولفظ الكريم ولفظ العالي. فيقال المقر الأشرف العالي والمقر الشريف العالي والمقر الكريم العالي والمقر العالي. ويلي الجناب لفظ الكريم ولفظ العالي، فيقال الجناب الكريم العالي والجناب العالي. ويلي المجلس لفظ العالي والسامي، فيقال المجلس العالي والمجلس السامي. والألفاظ التي تتبع، وهي الأشرف والشريف والكريم والعالي والسامي، بعضها أرفع من بعض على الترتيب. فالأشرف أرفع من الشريف، لأن أشرف أفعل تفضيل يقتضي الترجيح على غيره كما هو مقرر في علم النحو، والشريف أرفع رتبةً من الكريم لما تقدم عن ابن السكيت أن الكرم يكون في الرجل وإن لم يكن له آباءٌ شرفاءٌ، والشرف لا يكون إلا لمن له آباءٌ شرفاء. ومقتضى ذلك ترجيح الشريف على الكريم لاقتضائه الفضل في نفس الشخص وفي آبائه، بخلاف الكرم، ولذلك اختير الشرف لأبناء فاطمة رضي الله عنها دون الكرم. والكريم أرفع رتبةً من العالي، لأن الكريم يحتمل أن يكون من الكرم الذي هو خلاف اللؤم ويحتمل أن يكون من الكرم الذي هو خلاف البخل، وكلاهما مقطوع بأنه صفة مدح، وإن الأقرب إلى مراد الكتاب المعنى الأول. والعالي يحتمل أن يكون من علي بكسر اللام يعلى بفتحها علاءً بفتح العين والمد في المكان مما يدل على صفة المدح إلا أن يستعار للارتفاع في الشرف فيكون صفة مدح حينئذٍ على سبيل المجاز وإن كان مراد الكتاب هو المعنى الأول، وما كان مقطوعاً فيه بالمدح من الجانبين أعلى مما يكون مقطوعاً فيه بالمدح من جانب دون جانب. وقد اصطلحوا على أن جعلوا العالي أرفع من السامي، وهو مما أنكر على واضعه، إذ لا فرق بينهما من حيث المعنى، لأن السمو بمعنى العلو. والذي يظهر أن الواضع لم يجهل ذلك ولعله إنما جعل العالي أرفع رتبةً من السامي وإن كان بمعناه لأن العالي لفظٌ واضح المعنى يفهمه الخاص والعام، فيكون المدح به أعم باعتبار من يفهمه، بخلاف السامي فإنه لا يفهم معنى العلو منه إلا الخاصة، فيكون المدح به أخص لاقتصار الخاصة على معرفته دون العامة.
النمط الثاني: ما يقع التفاوت فيه بحسب لحوق ياء النسب وتجرده منها:
قد تقدم أن الألقاب المفردة منها ما تلحق به ياء النسب ومنها ما يتجرد عنها، وأن الذي تلحقه ياء النسب منها منه ما هو منسوبٌ إلى شيءٍ خارج عن صاحب اللقب كالقضائي فإنه منسوبٌ إلى القضاء الذي هو نفس الوظيفة، فيكون النسب فيه على بابه، ومنه ما هو منسوبٌ إلى صاحب اللقب نفسه كالأميري فإنه نسبةٌ إلى الأمير وهو عين صاحب اللقب فدخلت فيه ياء النسب للمبالغة، كما في قولهم لشديد الحمرة أحمري على ما تقدم بيانه.
وبالجملة فقد اصطلحوا على أن يكون ما لحقت به ياء النسب ارفع رتبةً مما تجرد عنها، سواءٌ منسوباً إلى نفس صاحب اللقب أو غيره، فيجعلون الأميري أعلى رتبةً من الأمير، والقضائي أرفع رتبةً من القاضي، ثم يجعلون المنسوب إلى نفس صاحب اللقب أرفع رتبةً من المنسوب إلى شيءٍ خارج عنه، ومن أجل ذلك جعلوا القاضوي أرفع رتبةً من القضائي. أما كون ما لحقت به ياء النسب أرفع رتبةً من المجرد عنها فظاهرٌ، لأن المبالغة تقتضي الرفعة ضرورةً، وأما كون المنسوب إلى شيءٍ آخر غير المنسوب إليه يقتضي الرفعة وإن لم يكن فيه مبالغةٌ، فللألحاق بما فيه المبالغة استطراداً، لئلا يلتبس الحال في النسبتين على الضعيف الفهم فلا يفرق بين ما هو منسوبٌ إلى هذا وبين ما هو منسوب إلى ذاك. على أنهم لم يقفوا مع الحكم في كون ما دخلت عليه ياء النسب أرفع مما لم تدخل عليه فقد استعملوا الجل ونحوه في الألقاب السلطانية التي هي أعلى الألقاب، فقالوا: السلطان الأجل العالم العادل إلى آخر ألقابه المفردة من غير إلحاق ياء النسب بها، ثم استعملوا مثل ذلك في ألقاب السامي بغير ياء فما دونه مما هو أدنى الألقاب رتبةً. وكأنهم اكتفوا بمكانة السلطان من الرفعة عن المبالغة في ألقابه بإلحاق ياء النسب، من حيث إن المعرف لا يحتاج إلى تعريف.
النمط الثالث: ما يقع التفاوت فيه بصيغة مبالغةٍ غير ياء النسب:
فيكون أرفع رتبةً لمعنى المبالغة كما في الكفيلي فإنه أرفع رتبةً من الكافلي، لأن صيغة فعيلٍ أبلغ في المعنى من صيغة فاعلٍ من حيث أن فعيلاً لا يصاغ إلا من فعل بضم العين إذا صار ذلك الفعل له سجيةً، كما يقال: كرم فهو كريم وعظم فهو عظيم وحلم فهو حليم، بخلاف فاعلٍ، ومن أجل ذلك كان لفظ فقيه أبلغ فاقهٍ لأن فاقه يصاغ من فقه بكسر القاف إذا فهم، ومن فقه بفتحها إذا سبق غيره إلى الفهم. وفقيه إنما يصاغ من فقه بضمها إذا صار الفقه له سجية كما مر القول عليه في الكلام على الفقيه والفقيهي في الألقاب الإسلامية المفردة.
النمط الرابع: ما يقع فيه التفاوت بحسب ما في ذلك اللقب من اقتضاء التشريف لعلو متعلقه ورفعته:
كالممهدي والمشيدي، فإن المراد ممهد الدول ومشيد الممالك على ما مر في الألقاب المركبة، فإن من ينتهي في الرتبة إلى تمهيد الدول وتشييد الممالك فلا نزاع في أنه من علو الرتبة بالمكان الأرفع، وكذلك ما يجري هذا المجرى كالمدبري بالنسبة إلى الوزراء ومن في معناهم، والمحققي بالنسبة إلى العلماء، والأصيلي بالنسبة إلى العريق في الكرم الأصل ونحو ذلك.
الصنف الثاني: الألقاب المركبة:
وهي على ضربين:
الضرب الأول: ما يترتب بعضه على بعض لقباً بعد لقب:
وله اعتباران:
الاعتبار الأول: أن يشترك في رعاية الترتيب أرباب السيوف والأقلام وغيرهم:
وهو على ثلاثة أنماط:
النمط الأول: ما يضاف إلى الإسلام:
وله ثلاثة أحوال الحال الأول أن يكون ذلك في ألقاب السيوف. وقد اصطلح المقر الشهابي بنفضل الله على أن جعل أعلاها ركن الإسلام والمسلمين فذكر ذلك في المكاتبة إلى النائب الكافل، ومكاتبته يومئذ بالجناب الكريم، ثم أبدل الكتاب ذلك بعده بمعز الإسلام والمسلمين، وجعلوه مع المكاتبة إليه بالمقر الكريم على ما استقر عليه الحال آخراً في المكاتبة إلى النائب الكافل ونائب الشام، وجعلوا دون ذلك عز الإسلام والمسلمين فأوردوه مع الجناب الكريم والجناب العالي على ما أستقر عليه مصطلحهم في السلطانيات. وجعل في عرف التعريف في الإخوانيات عز الإسلام والمسلمين فأوردوه في ألقاب المقر الشريف، ثم طرده فيما بعد ذلك من المقر الكريم والمقر العالي ولم يعده إلى ما بعد ذلك، ثم جعل دونه مجد الإسلام والمسلمين، فأورده مع المجلس العالي مطلقاً مع الدعاء وصدرت، ثم جعل دون ذلك مجد الإسلام فقط من غير عطف المسلمين عليه، فأورده في المجلس السامي بالياء والسامي بغير ياء، ولم يعده إلى مجلس الأمير بل أعاضه بمجد الأمراء على ما سيأتي ذكره، وتابعه على ذلك في التثقيف.
الحال الثاني أن يكون ذلك في ألقاب الوزراء من أرباب الأقلام ومن في معناهم ككاتب السر، وناظر الجيش، وناظر الخاص فمن دونهم من الكتاب.
وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في بعض دساتيره السامية أن أعلاها لهم ركن الإسلام والمسلمين، وجعل في عرف التعريف أعلاها للوزراء صلاح الإسلام والمسلمين، ولمن في معنى الوزراء عز الإسلام والمسلمين أو جلال الإسلام والمسلمين وأورد ذلك في المقر الشريف وما بعده: من المقر الكريم، والمقر العالي والجناب الشريف، والجناب الكريم، وجعل دون ذلك مجد الإسلام مجرداً عن عطف المسلمين عليه، وأورده مع المجلس العالي، والمجلس السامي.
أما تخصيص صلاح الإسلام والمسلمين بالوزراء، وعز الإسلام والمسلمين وجلال الإسلام والمسلمين بمن في معناهم فلأن الصلاح فيه معنى السداد والقصد، والعز والجلال فيهما معنى العظمة والهيبة، ولا شك أن وظيفة الوزارة التي مناطها تدبير الملك بالصلاح أجدر، على أنه إذا حصل الصلاح تبعته العظمة والهيبة ضرورةً. وأما كون جلال الإسلام والمسلمين أعلى من مجد الإسلام، فلأمرين، أحدهما أن الجلال بمعنى العظمة، والمجد بمعنى الشرف، والعظمة أبلغ من الشرف لما في العظمة من نفاذ الكلمة. والثاني أن الإضافة في جلال الإسلام والمسلمين في المعنى إلى شيئين وفي مجد الإسلام إلى أحدهما.
الحال الثالث أن يكون في ألقاب القضاة والعلماء، وقد جعل في عرف التعريف أعلاها حجة الإسلام أو ضياء الإسلام، فأوردهما مع الجناب الشريف الذي هو عنده أعلى الرتب لهذه الطائفة، وجعل دون ذلك بهاء الإسلام فأورده مع الجناب الكريم، وجعل دونه مجد الإسلام فأورده مع المجلس العالي والسامي بالياء وبغير ياء.
أما كون حجة الإسلام وضياء الإسلام أعلى رتبة من مجد الإسلام فلأن الحجة في اللغة بمعنى البرهان وهو الدليل القاطع، وبه تتقرر قواعد الإسلام ومباينه، والضياء في أصل اللغة خلاف الظلمة، ثم استعير للهداية وما في معناها، ولا شك أن الوصف بهذين الأمرين أبلغ من الوصف بالمجد الذي هو بمعنى الشرف.
الحال الرابع أن يكون في ألقاب الصلحاء، وقد جعل في عرف التعريف أعلاها صلاح الإسلام وأورده مع الحضرة، ومع الجناب الشريف، والجناب الكريم، وجعل دونه جلال الإسلام وأورده مع الجناب العالي، ودونه ضياء الإسلام وأورده مع المجلس العالي، وجعل دونه جلال الإٍسلام فأورده مع المجلس السامي بالياء فما دونه.
أما كون صلاح الإسلام والمسلمين أعلى من جلال الإسلام والمسلمين فقد تقدم بيانه. وأما كون جلال الإسلام والمسلمين أعلى من ضياء الإسلام والمسلمين فلأن الجلال معناه العظمة، وهي أعلى من الضياء على ما فيه من التعسف.
النمط الثاني من الألقاب المركبة: ما يضاف إلى الأمراء والوزراء ونحوهم من أرباب المراتب السنية:
وهو على الأحوال الأربعة المتقدمة الذكر فيما يضاف إلى الإسلام الحال الأول أن يكون في ألقاب أرباب السيوف. قد جعل في عرف التعريف أعلاها سيد الأمراء في العالمين، وأورده مع المقر الشريف، والمقر الكريم، والمقر العالي. وجعل دونه سيد الأمراء المقدمين، وأورده مع الجناب الشريف، والجناب الكريم، والجناب العالي. ودونه شرف الأمراء المقدمين، وأورده مع المجلس العالي والدعاء. ودونه شرف الأمراء في الأنام، وأورده مع السامي بالياء. ودونه زين الأمراء المجاهدين، وأورده مع السامي بغير ياءٍ. ودونه مجد الأمراء، وأورده مع مجلس الأمير.
والذي في التثقيف بعد سيد الأمراء في العالمين سيد أمراء العالمين، وأورده مع الجناب العالي. ودونه شرف الأمراء في العالمين، وأورده مع المجلس العالي والدعاء. ودونه شرف الأمراء المقدمين، وأورده مع السامي بالياء. ودونه فخر الأمراء، وأورده مع السامي بغير ياء. ودونه مجد الأمراء، وأورده مع مجلس الأمير. ولا يخفى ما بينهما من الاختلاف. ولا مشاحة في الاصطلاح بعد فهم المعنى، ولا نزاع في أن الترتيب الذي في التثقيف أحسن. وإذا تأملت ذلك وعرضته على ما تقدم من التوجيه في النمط الأول ظهر لك حقيقة ذلك.
الحال الثاني أن يكون في ألقاب الوزراء ومن في معناهم. فقد ذكر في عرف التعريف أن أعلاها للوزراء سيد الوزراء في العالمين، ولمن في معناهم من كاتب السر ونحوه سيد الكبراء في العالمين، وأورد ذلك مع المقر الشريف، والمقر الكريم، والمقر العالي، والجناب الشريف، والجناب الكريم، والجناب العالي، وجعل دونه لمن دون هؤلاء من الكتاب فخر الأنام، وأورده في المجلس العالي والدعاء مع ما بعده.
الحال الثالث أن يكون من ألقاب القضاة والعلماء.
وقد جعل في عرف التعريف: أعلاها شرف الأنام. وأورده مع الجناب الشريف الذي جعله أعلى المكاتبات لهم، ومع الجناب الكريم والجناب العالي وجعل دونه فخر الأنام، فأورده مع المجلس العالي بالدعاء. ودونه بهاء الأنام، وأورده مع صدرت والعالي، ومع السامي بالياء والسامي بغير باء.
الحال الرابع أن يكون من ألقاب الصلحاء وقد جعل في عرف التعريف أعلاها خالصة الأنام، وأورده مع الحضرة الشريفة التي جعلها أكبر رتبهم، ومع الجناب الشريف، والجناب الكريم، والجناب العالي، وجعل دونه شرف الأنام وأورده مع المجلس العالي. ودونه زي الأنام، وأورده مع السامي بالياء وبغير ياء.
النمط الثالث من الألقاب المركبة: ما يضاف إلى الملوك والسلاطين:
وهو على الأحوال الأربعة المتقدمة الذكر:
الحال الأول: أن يكون من ألقاب السيوف:
وقد ذكر في عرف التعريف أن أعلاها ظهير الملوك والسلاطين، وأورده مع المقر الشريف والمقر الكريم، والمقر العالي، والجناب الشريف، والجناب الكريم، والجناب العالي، وجعل دونه عضد الملوك والسلاطين، وأورده مع المجلس العالي والمجلس السامي بالياء. ودونه عمدة الملوك والسلاطين، وجعله مع مجلس الأمير. والذي في التثقيف إيراد ظهير الملوك والسلاطين مع المقر الكريم وما بعده إلى آخر المجلس العالي، وجعل عضد الملوك والسلاطين مع السامي بالياء، وعمدة الملوك والسلاطين مع السامي بغير ياء، وعدة الملوك والسلاطين مع مجلس الأمير.
والحاصل أنه في التثقيف زاد رتبتين في ظهير الملوك والسلاطين، فجعله في المجلس السامي مع الدعاء ومع صدرت، على أن التحقيق أن عضد الملوك والسلاطين أعلى في الحقيقة من ظهير الملوك والسلاطين، لأن العضد عضو من أعضاء الإنسان، وهو ما بين المرفق والكتف، والظهير خارج عنه، وما كان من نفس الإنسان كيف يجعل ما هو خارجٌ عنه أرفع منه بالنسبة إلى ذلك الشخص؟
الحال الثاني: أن يكون من ألقاب الوزراء ومن في معناهم:
وقد جعل في عرف التعريف أعلاها ظهير الملوك والسلاطين أيضاً، وأورده مع المقر الشريف، والمقر الكريم، والمقر العالي، والجناب الشريف، والجناب الكريم، والجناب العالي، وجعل دونه صفوة الملوك والسلاطين، وأورده مع المجلس العالي فما دونه.
الحال الثالث: أن يكون من ألقاب القضاة والعلماء:
وقد جعل في عرف التعريف أعلاها للقضاة حكم الملوك والسلاطين، ولغيرهم من العلماء خالصة الملوك والسلاطين، وهو عنده للجناب الشريف فما فوقه. ودونه بركة الملوك والسلاطين، وأورده مع الجناب الكريم، والجناب العالي، والمجلس العالي، مع الدعاء. وجعل دونه صفة والملوك والسلاطين، وأورده في صدرت والعالي فما دونه ذلك.
الحال الرابع: أن يكون في ألقاب الصلحاء:
ولم يزد في عرف التعريف على أنه يكتب لهم بركة الملوك والسلاطين، وحينئذ فيقتصر عليها لجميعهم ممن يستحق ذلك بحسب ما يقتضيه حال المكتوب بسببه.
النمط الرابع من الألقاب المركبة: ما يضاف لأمير المؤمنين:
وهو على الأحول الأربعة المتقدم ذكرها.
الحال الأول: أن يكون من ألقاب أرباب السيوف:
وأعلاها قسيم أمير المؤمنين، وهو من الألقاب الخاصة بالسلطان كما تقدم ذكره في موضعه. ودونه خليل أمير المؤمنين، وهو من ألقاب أولاد الملوك وألقاب بعض الملوك الأجانب المكتوب إليهم عن الأبواب السلطانية. ودونه عضد أمير المؤمنين، وهو أعلى ما يكتب لنواب السلطنة عن الأبواب السلطنة عن الأبواب السلطانية، وجعله في عرف التعريف مع المقر الشريف خاصةً. ودونه سيف أمير المؤمنين، وأورده مع المقر الكريم والمقر العالي، ودونه حسام أمير المؤمنين، وجعله في عرف التعريف مع الجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي، ولم يورد بعد ذلك لقباً بالإضافة إلى أمير المؤمنين بل اقتصر على ما يضاف إلى الملوك والسلاطين. وأما في التثقيف فجعله مع المقر الكريم والمقر العالي. ودونه حسام أمير المؤمنين، وأورده مع المجلس العالي والدعاء، ولم يورد فيما بعد ذلك لقباً بالإضافة إلى أمير المؤمنين.
والحاصل أنه في عرف التعريف زاد رتبةً فيما يضاف إلى أمير المؤمنين، وهي حسام أمير المؤمنين.
الحال الثاني: أن يكون من ألقاب الوزراء ومن في معناهم:
ولم يزد في عرف التعريف على ولي أمير المؤمنين، وأورده مع المقر الشريف، والمقر الكريم، والمقر العالي والجناب الشريف، ويحسن أن يجيء مع الجناب الكريم خالصة أمير المؤمنين، ومع الجناب العالي صفي أمير المؤمنين أو صفوة أمير المؤمنين، ولا يضاف إلى أمير المؤمنين مع المجلس العالي فما دونه شيءٌ من الألقاب اكتفاءً بما يضاف إلى الملوك والسلاطين كما تقدم في أرباب السيوف.
الحال الثالث: أن يكون من ألقاب القضاة والعلماء:
فقد جعل في عرف التعريف أعلاها ولي أمير المؤمنين، وجعله مع الجناب الشريف فما فوقه، ويحسن أن يجيء مع الجناب الكريم خالصة أمير المؤمنين، ومع الجناب العالي صفي أمير المؤمنين أو صفوة أمير المؤمنين، كما تقدم في الوزراء ومن في معناهم ومن دونهم من الكتاب.
الاعتبار الثاني في الألقاب المركبة: أن يختص الترتيب في الألقاب بنوع من المكتوب لهم:
وهو أربعة أنماط:
النمط الأول: ما يختص بأرباب السيوف:
وله حالان:
الحال الأول: أن تقع الإضافة فيه إلى الغزاة والمجاهدين:
وقد جعل المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف ناصر الغزاة والمجاهدين أعلاها، فأورده في المكاتبة إلى نائب الشام، والمكاتبة إليه يومئذ دون المكاتبة إلى النائب الكافل، وهو خلاف مقتضى تركيب لغة العرب لما تقدم من أن صيغة فعيل أعلى من صيغة فاعل، ولذلك جعلوا الكفيل أعلى من الكافل على ما تقدم بيانه. وحينئذ فيكون نصير الغزاة والمجاهدين أعلى من ناصر الغزاة والمجاهدين على خلاف ما ذكره.
أما في عرف التعريف فإنه أعرض عن ذكر الألقاب المضافة إلى الغزاة والمجاهدين مع المقر الشريف الذي هو أعلى الألقاب لأرباب السيوف من النواب ومن في معناهم، وأتى بعده مع المقر الكريم بنصير الغزاة والمجاهدين، ثم أتى بعده مع الجناب الشريف إلى آخر المجلس العالي بنصرة الغزاة والمجاهدين، فجعل نصير الغزاة أبلغ من نصرة الغزاة، لما في نصير من التذكير وفي نصرة من لفظ التأنيث، والتذكير أعلى رتبةً من التأنيث، ثم أتى مع السامي بالياء بذخر الغزاة والمجاهدين، ثم مع السامي بغير ياء بزين الأمراء المجاهدين على وصف الأمراء بالمجاهدين دون عطف المجاهدين على الأمراء، ثم مع مجلس الأمير بزين المجاهدين.
وجعل في التثقيف أعلاها ناصر الغزاة والمجاهدين تبعاً للتعريف وأورده مع المقر الكريم، ودونه نصرة الغزاة والمجاهدين، وأورد مع الجناب الكريم وما بعده إلى آخر المجلس العالي، ثم أتى مع السامي بالياء بأوحد المجاهدين، ومع السامي بغير ياء ومجلس الأمير بزين المجاهدين، والحال في ذلك قريبٌ.
الحال الثاني: أن يكون اللقب مضافاً إلى الجيوش:
وقد جعل في التعريف أعلاها أتابك الجيوش، وأورده في ألقاب النائب الكافل، وجعل دونه زعيم الجيوش وأورده في ألقاب نائب الشام، وهو يومئذ دون النائب الكافل، ثم جعل زعيم جيوش الموحدين، وأورده في ألقاب نائب حلب. وعلى نحوٍ من ذلك جرى في عرف التعريف فجعل أعلاها زعيم الجيوش وأورده مع المقر الشريف، والمقر الكريم والمقر العالي، ودونه زعيم جيوش الموحدين، وأورده مع الجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي، ولم يورد شيئاً في هذا المعنى فيما بعد ذلك، وعلى نحو ذلك جرى في التثقيف.
النمط الثاني: ما يختص بالوزراء ومن في معناهم من كاتب السر ونحوه فمن دونه من الكتاب:
وقد ذكر في عرف التعريف أن أعلاها للوزراء سيد الوزراء في العالمين، ولمن في معناهم سيد الكبراء في العالمين، وأورد ذلك مع المقر الشريف والمقر الكريم والمقر العالي والجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي، وجل دونه لمن دونهم من الكتاب شرف الرؤساء، وأورده مع المجلس العالي، ولا شك أنه يجيء بعده أوحد الكتاب أو شرف الكتاب مع المجلس السامي بالياء، ثم جمال الكتاب للسامي بغير ياء فما دونه.
النمط الثالث: ما يختص بالقضاة والعلماء:
وقد جعل في عرف التعريف أعلاها سيد العلماء والحكام، ولغيرهم أوحد العلماء الأعلام، وجعله للجناب الشريف فما فوقه، ثم للجناب الكريم، والجناب العالي، وجعل دونه تاج العلماء والحكام، أو شرف العلماء والحكماء، وأورده مع المجلس العالي، ودونه جمال العلماء أوحد الفضلاء، وأورده مع السامي بالياء، ودونه جمال الأعيان مع السامي بغير ياء فما دونه.
النمط الرابع: ما يختص بالصلحاء:
وقد جعل في عرف التعريف أعلاها لهم شيخ شيوخ العارفين، وأورده مع الحضرة الطاهرة، وجعل دون ذلك أوحد المحققين، فأورده مع الجناب الكريم، ودونه أوحد الناسكين، فأورده مع الجناب العالي.
قلت: وليس وضع هذه الألقاب على الترتيب في العلو والهبوط راجعاً إلى مجرد التشهي من غير تقص لعلو أو هبوط يدل عليه جوهر اللفظ، بل لا بد أن يكون لتقدم كل لقب منها على الآخر ورفعته عليه في الرتبة سبب يقتضيه اللفظ وتوجبه دلالته الظاهرة أو الخفة. وما وقع فيها مما يخالف ذلك فلعدم تأمل الواضع لذلك، أو وقوعه من بعض المدعين الظانين أن القلم في ذلك مطلق العنان، يتصرف في وضعه كيف شاء من غير نظر إلى ما يتوجب تقدماً ولا تأخيراً، ومما يوضح ذلك ويبينه أنك إذا اعتبرت الألقاب المضافة إلى الإسلام المتقدمة الذكر في أرباب السيوف مثلاً، رأيت أعلاها ركن الإسلام والمسلمين، على ما هو مذكور في التعريف وغيره من سائر دساتير المقر الشهابي بن فضل الله، وأعلاها على ما ذكره في التثقيف معز الإسلام والمسلمين، ودن ذلك في الرتبة عز الإسلام والمسلمين، ودونه مجد الإسلام والمسلمين، ودنه مجد الإسلام فقط من غير عطف، على ما تقدم ذكره.
أما كون ركن الإسلام والمسلمين أعلى من عز الإسلام والمسلمين، فلأن ركن الشيء في اللغة جانبه الأقوى، وقد قال الأصولين: إن الركن ما كان داخل الماهية، وحينئذ فيكون ركن الشيء بعضاً منه بخلاف العز فإنه معنى من المعاني خارجٌ عنه، وما كان بعضاً للشيء كان أخص به مما هو خارجٌ عنه.
وأما وجه إبدالهم ركن الإسلام والمسلمين بمعز الإسلام والمسلمين فلأن في الركن معنى العز والقوة، وقد فسر قوله تعالى حكايةً عن لوطٍ عليه السلام: {أو آوي إلى ركنٍ شديدٍ} بالعز والمنعة، فجعل المعز لهذا الاعتبار في الألقاب قائماً مقام الركن.
وأما كون عز الإسلام والمسلمين أعلى من مجد الإسلام والمسلمين، فلأن العز أجدى في النفع من المجد فقد تقدم ابن السكيت قال: إن المجد لا يكون إلا بشرف الآباء، ولا نزاع في أن العز في تعارف الملوك أكثر جدوى وأوفر نفعاً في تحصيل المقاصد. وقد ذكر أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب أن الكتاب في الزمن القديم كانوا يجعلون الدعاء بالعز عقب الدعاء بطول البقاء، فإنه يكون بالعز مصوناً عالياً آمناً غنياً.
وأما كون مجد الإسلام والمسلمين أعلى من مجد الإسلام، فلأن الشيء كلما تعدى فعله إلى غيره كان أرفع رتبةً، ومجد الإسلام والمسلمين يتعدى إلى شيئين، وهما الإسلام والمسلمين، ومجد الإسلام لا يتعدى إلا إلى شيء واحد وهو الإسلام. فلذلك إذا اعتبرت الألقاب المضافة إلى أمير المؤمنين، رأيت أعلاها في أرباب السيوف قسيم أمير المؤمنين، ودونه خليل أمير المؤمنين، ودونه عضد أمير المؤمنين ودونه سيف أمير المؤمنين، ودونه حسام أمير المؤمنين.
أما كون قسيم أمير المؤمنين أعلى من خليل أمير المؤمنين، فلأن القسيم بمعنى المقاسم، والمراد أنه قاسم أمير المؤمنين الملك وساهمه في الأمر فصارا فيه مشتركين، وخليل أمير المؤمنين مأخوذ من الخلة بضم الخاء، وهي الصداقة، وفرقٌ بين من يقاسم الخليفة فيصير عديله في الأمر، وبين من يكون خليله وصاحبه. على أنه قد تقدم أن الملوك قد أربت بأنفسها عن هذا اللقب لاستبدادهم بالملك واستيلائهم عليه.
وأما كون خليل أمير المؤمنين أعلى من عضد أمير المؤمنين، فلأن العضد ليس المراد منه العضو الحقيقي الذي هو بين الكتف والمرفق، وإنما استعير للناصر وكأنه ينصره بنفسه كما ينصره عضده، ومثل هذا الوصف لا يكون إلا للأتباع، بخلاف الخيل والصديق فإنه لا يكاد رتبته عند الشخص تنحط عن رتبة نفسه.
وأما كون عضد أمير المؤمنين أعلى من سيف أمير المؤمنين، فلأن العضد وإن قصد به الناصر فإنه منقول عن العضو للناصر كما تقدم وعضو الإنسان عنده في العزة وقوة النصر فوق سيفه في ذلك.
وأما كون سيف أمير المؤمنين أعلى من حسام أمير المؤمنين وإن كان الحسام متضمناً لوصف القطع الذي هو المقصود الأعظم من السيف من حيث إنه مأخوذ من الحسم، وهو القطع فلأن السيف مأخوذٌ من ساف إذا هلك كما صرح به الشيخ جمال الدين بن هشام في شرح قصيدة كعب بن زهير، ولا شك أن معنى الإهلاك أبلغ من معنى القطع، لأن القطع قد يقع في بعض البدن مما لا يتضمن الإهلاك، وهذا مما يجب التنبه له فإنه ربما توهم أن الحسام أبلغ من السيف لتضمن وصف القطع كما تقدم.
وبالجملة فلا سبيل إلى استيعاب جميع ما يرد من هذا الباب بالتوجيه، لأن ذلك يؤدي إلى الإسهاب والملل، والقول الجامع في ذلك أنه ينظر إلى الألفاظ الواقعة في الألقاب وما تقتضيه من أصناف المدح، وما تنتهي إليه رتبتها فيه من أعلى الدرجات أو أوسطها أو أدناها فيرتبها على هذا الترتيب، ويوجهها بما يظهر له من التوجيه على نحو ما تقدم. كما إذا اعتبرت رتبة الجلال والجمال فإنك تجد الجلال أعلى رتبةً، لأن معنى الجلال العظمة، ومعنى الجمال الحسن، ولا نزاع في أن العظمة أبلغ وأعلى موقعاً من الحسن، وكما إذا اعتبرت الضياء والبهاء، فإن الضياء يكون أبلغ، لأن الضياء معناه النور الذاتي، وهو متعدي النفع عام الفضيلة، والبهاء معناه الحسن، وهو قاصرٌ على صاحبه. وفيما ذكر إرشادٌ إلى ما لم يذكر.